بينما كان رسول الله ﷺ جالسًا في المسجد، والناس حوله، حدثت واقعة بسيطة في مظهرها، لكنها تحمل في جوهرها عمقًا روحيًا عظيمًا. أقبل ثلاثة نفر، رجلان تقدما نحو رسول الله ﷺ، والثالث تراجع، وكأن في هذا التصرف البسيط يكمن درس في خيارات الإنسان في مواجهة الإيمان والمعرفة. الأول رأى فرجة في الحلقة، فرصة للدخول في دائرة المعرفة النبوية، فجلس. إنه الرمز لكل من يسعى نحو النور والحق، يأخذ المبادرة، ويقرب نفسه إلى الله. فأوى إلى الله، فآواه الله إليه؛ أي أن الله سبحانه، برحمته، يقابل هذا السعي نحو الحق بالقبول والتوجيه. الثاني، لم يجلس في قلب الحلقة، بل خلفها. شعور بالحياء دفعه إلى هذا، وكأن وجوده في هذه المسافة يعبر عن تقارب مع الحق، ولكنه تقارب مشوب بالتردد. وهذا الحياء، وإن كان موقفًا حياديًا إلى حد ما، إلا أنه يعبر عن احترامه للنور، فجاء الرد من الله بنفس الشعور: استحيا الله منه. أما الثالث، فقصته هي الأشد إيلامًا. قرر الإدبار، اختيار الرحيل والابتعاد عن الحق. ليس هناك تردد أو حياء، بل عزوف عن المعرفة، عن النور، عن الله. هذا الإعراض البسيط في ظاهره هو في حقيقته صدٌّ عن الرحمة، فيقابل الله إعراضه بالإعراض. هذا الحديث يكشف عن ثنائية عميقة في علاقة الإنسان بالله. كل خطوة، مهما بدت صغيرة، لها مقابل إلهي. كل قرار نتخذه في حياتنا الروحية يقابله رد فعل من السماء. فمن يسعى يجد الباب مفتوحًا، ومن يتردد يجد الرحمة، ومن يعرض يلقى الغفلة. هذه هي سنة الكون، والقانون الذي يربط الأرض بالسماء.
التعليقات